سردينيا ليست مجرد جزيرة ساحرة في البحر الأبيض المتوسط فحسب؛ وإنما هي أيضاً وصي أمين على التقاليد العريقة، تمزج ببراعة بين أصالة الماضي وحداثة الحاضر، وتعكس في صميم ثقافتها تقديراً عميقاً للبراعة الحرفية العالية، والعادات الأصيلة، والنكهات الغنية التي تروي قصة المذاق المتنوع الشهي. ويتجلى هذا التراث الثقافي الغني بأبهى صوره في إبداعات Dolce&Gabbana عبر مجموعات Alta Moda وAlta Sartoria وAlta Gioielleria.
La Parata di Sant’Efisio
ُعد مهرجان Sant’Efisio في كالياري واحداً من أبهى الاحتفالات التي تجسد روح سردينيا، حيث يعكس جوهر روحانيتها العميقة وتقاليدها العريقة. وخلال الفترة من 1 إلى 4 مايو من كل عام، تتحول الجزيرة إلى مسرحٍ مقدس يعج بالطقوس الدينية لإحياء ذكرى القديس إيفيسيو الذي – وبحسب الأسطورة – قَدِم من أنطاكية وأنقذ الجزيرة من الطاعون عام 1656 واستشهد في نورا. ولا يزال تقام مراسم تكريمه إلى اليوم بموكب مهيب، حيث تحمل عربة مذهبة تمثال Sant’Efisioويتقدمها موكب من عربات traccas المزخرفة التي تجرها ثيران مزينة بالزهور والأدوات الزراعية. ويجوب هذا الموكب المدينة ليشق طريقه عبر المئات من سكان سردينيا الذين يرتدون الملابس التقليدية تعبيراً عن فخرهم بهويتهم الثقافية. وفي لحظة من الإخلاص العميق، يُقام طقس ” Sa Ramadura”، حيث يتم تزيين الطريق بالنباتات العطرية وبتلات الزهور ليشكل سجادة نابضة بالحياة والعطر تخليداً لمرور القديس.
وهذا المهرجان ليس مجرد احتفال ديني بقدر ما هو تجسيد حي لهوية سردينيا العميقة وجذورها الراسخة.
الأقنعة: الغموض والسحر
أبرز ما يميز مظاهر الكرنفال في سردينيا هو ارتداء أقنعة بأشكال لا تعد ولا تحصى، ويحمل كل منها رمزية تاريخية فريدة تجسد في مضمونها شخصيات Mamuthones و Issohadores. تشكل هذه الأقنعة – التي يتم ارتداؤها خلال كرنفال Mamoiada – شهادات حية على تراث سردينيا العريق الذي يمتد لآلاف السنين، وهي مصنوعة يدوياً بدقة بالغة لتكون بذلك أكثر من مجرد أزياء احتفالية، ذلك أنها تجسد التقاليد القديمة ورموز الهوية المجتمعية.
ترتدي شخصيات Mamuthonesأقنعة خشبية داكنة وأزياء مصنوعة من جلد الغنم ليجسدوا بذلك الجوهر الغامض والمقدس للاحتفالات. وتضفي خطواتهم الرائعة والمهيبة، المصحوبة بأصوات أجراس الأبقار المثبتة على أكتافهم، إحساساً بالغموض والطقوس البدائية؛ بينما تحمل حركاتهم الإيقاعية الشبيهة بالرقصات المقدسة هالة من الخشوع والرهبة مستحضرةً ذكريات الطقوس التقليدية القديمة. ويرمز وجود Mamuthonesإلى القوة البدائية للطبيعة والتغيرات الدائمة للفصول، وكلاهما جزء من طبيعة الحياة الريفية في سردينيا.
في المقابل، يجسد Issohadores بأقنعتهم البيضاء وأزيائهم الملونة قوة وديناميكية الصراع الأبدي بين الخير والشر، وهو موضوع متأصل بعمق في احتفالات سردينيا التقليدية. ويستخدم Issohadores في حركاتهم البهلوانية الرشيقة الحبال الرمزية المسماة ” soha” لجذب انتباه المتفرجين وإحياء روح صيد الثيران القديمة التي كانت رمزاً للخصوبة وتجدد المجتمع. ومن خلال عروضهم الجريئة والديناميكية، ينشر Issohadores روح الحيوية والتفاؤل احتفالاً بالقوة الدائمة والمرونة التي يتمتع بها شعب سردينيا.
وهذه الأقنعة، التي تُحمل بكل احترام وإجلال، ليست مجرد أدوات للزينة؛ وإنما تحمل في طياتها تاريخاً وإرثاً ثقافياً وروحانياً غنياً يربط الأسلاف بالمستقبل مع الحفاظ على التقاليد المتجذرة في صلب التنوع الثقافي لسردينيا.
الخبز، كنز من المذاق الشهيe
تعتبر صناعة الخبز طقساً مقدساً قديماً انتقل عبر العصور، مما أعطى الخبز مكانة رمزية عظيمة في مطبخ سردينيا.
يتجاوز خبز Coccoi Pintau، أو “الخبز المزخرف”، مفهومه كطعام تقليدي ليكون قطعة فنية صالحة للأكل مصنوعة من عجينة قوية ومُزينة يدوياً باستخدام أدوات تقليدية مثل السكاكين والبكرات، وبذلك يحمل بين طياته أسرار تقاليد الطهي القديمة. يتم صنع كل قطعة خبز بشكل فريد، وغالباً ما يتم تقديمها في المناسبات مثل حفلات الزفاف والمعمودية، وهي ترمز إلى الرخاء والوفرة وتضفي بريقاً خاصاً على كل مناسبة.
من جهة أخرى، يُعرف خبز Carasau – والمعروف أيضاً باسم “خبز الموسيقى” – بقوامه الرقيق والمقرمش الذي يشبه ورقة الشجر. ويعود أصل هذا الخبز إلى الجزء الأوسط الغربي من جزيرة سردينيا، وقد أسر قلوب الناس بتنوعه ونكهته الفريدة. يُخبز Carasau مرتين على الطريقة التقليدية للحصول على قرمشة إضافية، مما يجعله مثالياً لتناوله بمفرده أو مع المأكولات البحرية، والجبن، واللحوم المقددة.
تختزل سردينيا في أطباقها رحلة تذوق استثنائية تستمعون معها بإرث غني وتقاليد عريقة في عالم النكهات.
عراقة التقاليد
يمثل تراث سردينيا الحرفي نسيجاً غنياً من التقاليد العريقة والحكايات الشيقة، فالسجاد اليدوي المزين بزخارف نباتية معقدة يختزل في نسيجه الكثير من الروايات القديمة المتناقلة عبر الأجيال.
علاوة على ذلك، تجسد السلال المصنوعة يدوياً في Oliena وSinnai جمال الصناعات البدائية والإتقان الحرفي في استخدام المواد الطبيعية، حيث تتضافر الوظائف العملية مع الإبداع الفني.
وتشتهر سردينيا كذلك بفن المخرمات، حيث يتم استخدام خيوط الذهب والفضة لصنع مجوهرات رائعة تتنوع بين الخواتم والأساور والأقراط والقلائد. ومن روائع هذا الفن الزر الذهبي الذي تتوسطه في الغالب جوهرة ثمينة. ولا تقتصر أهمية هذه الأزرار على دورها التقليدي في تزيين الملابس الاحتفالية، وإنما تحمل في طياتها رموزاً عميقة للخصوبة والازدهار، وتجسد في خطوطها المنحنية الشكل الأنثوي، وتؤكد في مضمونها على الروابط الثقافية العميقة التي توحد سردينيا.
تجسد الملابس التقليدية، المزينة بالتطريزات المعقدة والأقمشة الزاهية، الهويات المميزة لمجتمعات سردينيا المتنوعة؛ حيث تروي كل غرزة فيها حكاية غنية من الفخر والأصالة الثقافية والبراعة الحرفية المتوارثة عبر الأجيال.
إن كل قطعة مصنوعة يدوياً في سردينيا تجسّد في جوهرها رحلة فنية فريدة يتردد صداها في قلب الجزيرة وروحها.